دراسة: تأثير الدوافع الذاتية والخارجية واكتساب المفردات.”استعد للمفاجأة”

الكثير من متعلمي اللغة الإنجليزية يقرر الانخراط أو الاندماج في تعلم الإنجليزية لأسباب مختلفة. والكثير منهم يتجاهل البحث عن سبب تعلمه، أو ربما لايكلفون أنفسهم بالسؤال. فقد يقول البعض في نفسه: هل الأمر يستحق أن أعرف لماذا قررت التعلم؟ هل سيفيدني ذلك إن قررت التسجيل في معهد لغة؟ هل سيحدد سببي الدخول في تخصص لغة إنجليزية في الجامعة إلى نجاحي فيها؟ هل معرفة سبب استخدامي للغة الإنجليزية في مرحلة الابتعاث سيجعلني متعلم أفضل؟ أليس المهم هو اختيار الكتاب / المعهد الجيد والمعلم الكفؤ مع الممارسة وفقط؟ سأقول لك: هل تعلم أخي القارئ وبحسب دراستنا المنشورة مؤخراً في جامعة كامبيردج Cambridge بأن معرفة أسباب التعلم مع الاجتهاد يجعلنا قادرين على أن نتنبأ بحوالي ٣٥ إلى ٥٦ ٪ من أسباب نجاحك في تعلم الإنجليزية؟ نعم أن تقرأ هذا جيداً، دافعيتك و مستوى اجتهادك في التعلم يجعلنا نفسر سبب تحقيقك للغة إلى هذا الحد! هيا نستكشف بعض المفاجآت في هذا الموضوع.

نظرية الدافعية الذاتية باختصار

ألا تتفق معي أن الشغف وحب التعلم هو محرك قوي نحو الإنجاز واكتساب اللغة؟ ألا تجد أن المتعلم الذي يرى في سبب تعلمه أهدافاً مهمة لنفسه ونمواً في قدراته وتوسيعاً لمهاراته يحقق نواتج التعلم بشكل فعال؟ هذه الأشكال من الدوافع تسميها النظرية: الدوافع الذاتية. وفي المقابل، هناك من يقرر تعلم اللغة لأن هناك ضغوطاً اجتماعيةً عليه، من العائلة، أو المجتمع أو الأسرة الممتدة كتحقيق رغبة شخص آخر، أو الخوف من العار الذي سيلحق بالمتعلم. وهناك كذلك من يتعلم من أجل الحصول على مكتسبات خارجة عن الذات مثل الوظيفة أو المال أو السمعة أو الدرجات الدراسية أو عدم الرسوب. هذه الأشكال من الدوافع تسميها النظرية: دوافع خارجية.

وتشير دراسات عظيمة عدداً وجودةً في نظرية الدافعية الذاتية بتأثير كل من هذين الشكلين (الذاتي و الخارجي) على نواتج التعلم المختلفة وجوانب الحياة المختلفة كذلك (إن كانت لغتك الإنجليزية جيدة فيمكن زيارة موقعهم الرسمي هنا). وهناك دراسات أقيمت على متعلمي اللغات بحثت خلالها تلك الدراسات الأصيلة العلاقة بين الدوافع الذاتية والخارجية ونواتج تعلم مهمة مثل: الرغبة في الاستمرار بتعلم اللغة، التحصيل الجامعي، المثابرة اللغوية وعدم الغياب، وغير ذلك. ومن أبرز الدراسات التي بدأت في هذا المجال هي دراسات البروفيسورة الكندية كيم نويلز Kim Noels، ويدين تخصص اللغويات التطبيقية لهذه الشخصية بالفضل لفتح الطريق لبقية الباحثين لاستكشاف المزيد. ولكن، لازال السياق الخليجي والسعودي على وجه التحديد يحتاج إلى دراسة محددة حول علاقة الدافعية الذاتية بنواتج تعلمهم. وهنا قررت شخصياً أن أنبري لهذه المهمة، ففي عام ٢٠١٩ بدأت بعمل دراسة حول هذه النظرية وتطبيقها على السياق السعودي. استقصيتُ في هذه الدراسة أشكال الدافعية التي يتبناها المتعلمون حول تعلمهم للغة الإنجليزية بالإضافة إلى مستوى اجتهادهم في التعلم. كما أخذنا معلومات عنهم حول مستوى المفردات اللغوية التي يمتلكونها vocabulary knowledge، وبتوفيق الله عز وجل فقد قبلت هذه الدراسة في مجلة جامعة كاميبردج المرموقة Studies in Second Language Acquisition ونشرت في عام ٢٠٢١ ( أي بعد سنتين من البداية في البحث) وهذا الإنجاز هو أول بحث سعودي منذ تأسيس هذه المجلة قبل أكثر من ٥٠ سنة! ويسعدني نشر رابط الدراسة للجميع من هنا https://doi.org/10.1017/S027226312100005X

(إذا كنت ترغب بقراءة الدراسة مجاناً فما عليك سوى الضغط على هذا الرابط وستحصل عليها pdf)

صورة من دراستي في موقع الدورية المرموقة Studies in Second Language Acquisition

ماذا وجدتُ في الدراسة؟

إن كانت لغتك الإنجليزية جيدة فربما يمكن أن تذهب مباشرة إلى قراءة الدراسة (حوالي 8000 كلمة) ولكن إن كنت تبحث عن أهم ماورد فيها فسنذكر هذا الآن. لقد أثبتت هذه الدراسة التأثير الإيجابي للدوافع الذاتية على الاجتهاد في تعلم اللغة الإنجليزية وأثبتت العكس كذلك!، فأولئك الذين قرروا تعلم اللغة لأسباب خارجية (كما أشرنا بالأعلى) كانوا أقل اجتهاداً في التعلم بل وكان تأثير دافعيتهم سلباً على الاجتهاد. والاجتهاد بطبعية الحال أدى إلى اكتساب مفردات لغوية أكبر. كما وجدنا أن الدوافع الذاتية لها تأثير مباشر على اكتساب المفردات اللغوية (إضافة إلى تأثيرها الإيجابي على الاجتهاد) ووجدنا التأثير السلبي المباشر للدوافع الخارجية على اكتساب المفردات اللغوية (إضافة إلى تأثيرها السلبي على الاجتهاد). وبالإضافة إلى معرفة أن المتعلم قد استوفى حاجاته النفسية الثلاثة (التي تطرقنا لها بتفصيل في الكتاب وبشيء من الاختصار هنا) أظهرت نتائج تحليلنا الإحصائي عبر تقنية “نمذجة المعادلات الهيكلية” أو مايعرف بـ Structural Equation Modelling أن الدوافع والحاجات النفسية ومستوى المثابرة مجتمعين يفسرون حوالي ٣٥ إلى ٥٦ ٪ من أسباب نجاح المتعلم السعودي للغة الإنجليزية. إذاً، أسباب تعلمك للغة يستحق شيء من التأمل.

قصة على طاولة القهوة تشرح هذا عملياً

دعاني أحد الأصدقاء إلى تناول القهوة في محله الذي افتتحه للتو. نعم أحب القهوة وقهوة صاحبي كانت لذيذة بالفعل. وكان معنا مجموعة من الأشخاص كذلك ولم نكن نعرف بعضنا البعض جميعاً. فسألني أحد الموجودين عن تخصصي وماذا أعمل. فقلت له أنني باحث أكاديمي في تخصص دافعية متعلمي اللغة الإنجليزية وتحصلت على الدكتوراه في هذا التخصص من جامعة UNSW الأسترالية ضمن أفضل 50 جامعة عالمياً. وطلب مني هذا الشخص أن أحدثه عن أبرز القضايا التي تتطرق لها في رسالة الدكتوراه حول الدافعية، فذكرت له ما قرأتموه بالأعلى. فأخذ صاحبنا يضع يده على خده ويتأمل في شيء في نفسه حول ماسمعه ثم قال بعمق: هل تعلم يا دكتور أن هذا هو بالضبط الفرق بين زوجتي وأختي! قلت له ماذا تقصد؟ قال لي: زوجتي تخرجت من قسم اللغة الإنجليزية من إحدى الجامعات وهي الآن معلمة لغة إنجليزية في المدرسة، ويا إلهي كم لغتها ضعيفة مقارنة بعدد السنوات التي قضتها في التخصص. وربما اضطرت أن تسألني عن بعض تصحيح بعض الكلمات في الكتابة أو النطق رغم أن تخصصي ليس في اللغة ولكنني اتقنها بسبب تخصصي في الطب. هل يعقل أن تسألني زوجتي عن اللغة وهو تخصصها؟ مستواها في اللغة كان يثير استغرابي ولكن ماقلته لي حول الدافعية فتح لي نافذة جديدة لمعرفة السبب، فهي لاتحب هذا التخصص ولكن كان أكبر غايتها أن تتحصل على الوظيفة وهاهي قد حصلت عليها فماذا قد يجعلها تتوسع أكثر في التعلم؟ قارن هذا بمستوى أختي حيث تخصصها في الإدارة الذي لايرتبط بالإنجليزية بشكل مباشر، ولكن لغتها الإنجليزية رائعة ومنطلقة ويمكن لأي شخص يجلس معها أن يعرف شغفها الواضح في تعلم اللغة والرغبة في التواصل مع متحدثين أصليين للغة الإنجليزية (أشرنا إلى هذا في أكثر من موضع في المدونة، هنا و هنا). وبعد أن ذكر المقارنة كرر هذا الشخص كلمة: إنه الشغف، إذا كان لديك الشغف فستتعلم اللغة وتتكسر أمامك العقبات.

وأنا هنا أترككم مع هذه المقولة التي أتفق معها ونؤكد عليها بنتائج دراستنا (والتي قد يكون منها ماهو مثير للجدل): لدوافعك الداخلية تأثير إيجابي على تعلمك للغة الإنجليزية ولدوافعك الخارجية تأثير سلبي على تعلمك لها. قرر سبب تعلمك قبل أن تبحث عن المعهد / المعلم / شراء كتاب منهجي، لأن سبب تعلمك يستحق أن يكون قراراً مدروساً بعناية قبل أن يتبدد الأشهر الطوال وربما السنوات، وقد أثبتنا اليوم هذا علمياً ولم يعد كلاماً تنظيرياً والحمد لله.

هل لديك تعليق / موقف / تأكيد؟ شاركنا بالأسفل في التعليقات🌷

فكرتين عن“دراسة: تأثير الدوافع الذاتية والخارجية واكتساب المفردات.”استعد للمفاجأة””

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *