دافعية الطلاب أثناء التعلم عن بعد (دروس من جائحة كورونا)

يبدو أننا نعيش في فترة من الزمن في حياتنا قد لاتتكرر، فجائحة كورونا قد غزت العالم برمته. ونحن هنا إذ نسأل الله أن يحفظنا جميعاً وأوطاننا وقادة بلادنا والبشرية جمعاء من شر هذه الجائحة.. آمين. إن ما أدت إليه هذه الجائحة عجيب و يستحق التأمل بما تضمنه من تفاعل للمنظمات و جهود الدول في مواجهة الفايروس وكأنما هو عدو مشترك يتعاون الجميع في محاربته واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة. هذا يعيد الأمل للبشرية في الوقوف ضد أعداء مشتركة أخرى مثل الملاريا والفقر والرعاية الصحية للجميع. وفي ظل جائحة كورونا نشهد تغيّراً ملحوظاً في نمط الحياة فهناك الحظر المنزلي المتبع في غالب دول العالم وإغلاق الحضور للتجمعات الكبيرة وإيقاف التعليم الحضوري واستبداله بخيار التعليم عن بعد. ولأن التعليم عن بعد أصبح خياراً لا مفر منه لاسيما أن منظمة الصحة العالمية قد صرحت بأن لقاح كورونا لن يتوفر قبل حلول عام 2021، فإن تسليط الضوء على كيفية التحفيز السليم لطلابنا في فترة التعليم عن بعد (أو التعليم الإلكتروني) أمر مهم ويستحق الوقوف عنده. وأجد ذلك مسؤولية مجتمعية و وطنية على نفسي ونيابة عن كل مختص لطرق هذا الباب من خلال مجال الدافعية.

يبدو أن أحد أبرز التناقضات الحاصلة في هذه الفترة هو ما كان يخبرنا به المتعلمين وطلاب الجامعات حول ميولهم الإيجابية نحو التعلم الإلكتروني و روعة استخدام وسائل التعلم عن بعد. كنا نسمع منهم عبارات مثل “إنه أمتع من مجرد الحضور إلى القاعة” أو “يعجبني فيه بأن هوية الطالب مجهولة للمعلم”. ففي دراسة أقيمت على عينة من طلبة جامعات سعوديين نشرت في المجلة العربية لضمان جودة التعليم لعام ٢٠١٧م* أظهرت بأن الطلبة يجدون أن التعليم الإلكتروني سهل الاستخدام (متوسط حسابي ٣.٤ من ٥) وأنه سيحسن أداؤهم (متوسط حسابي ٣.٢ من ٥) وأنه بشكل عام فكرة جيدة (متوسط حسابي ٣.٤ من ٥) وحكيمة (متوسط حسابي ٣.٦ من ٥). ولكن من المفارقات أننا بدأنا نسمع عبارات مناقضة لتلك بمجرد التحول إلى التعليم الإلكتروني أثناء جائحة كورونا. أصبحنا نسمع بأنهم يقولون “يالها من وسيلة مزعجة” أو “أشعر بالكسل، هل يجب أن أفعل هذا الشيء اليوم؟”. لماذا حصل هذا مع طلابنا؟ لماذا تغيّرت دافعيتهم بهذا الشكل؟ وما علاج ذلك وفق المنهج السليم؟

لمعالجة مشكلة الدافعية في التعليم عن بعد علينا أن نتأكد من سلامة ثلاثة محاور: المعلم، الطالب و الوسيلة الإلكترونية

دعونا أولاً نتفق على أرضية مشتركة حول أركان التعليم الناجح، إذ يكمن في وجود معلم متحفز و طالب شغوف بالتعلم من خلال وجود وسيلة مناسبة. ويبدو أن جائحة كرورنا قد ألقت بظلالها على هذه العناصر جميعاً في عملية التعلم بشكل أو بآخر. فإذا ما أتينا إلى محور المعلم فلربما نجد أن بعض المعلمين يمتلك توجهات سلبية مسبقة حول التعليم الإلكتروني وجدواه، كأن يعتبروه مضيعة للوقت أو وسيلة غير آمنة لإيصال المنهج أو وسيلة لايعتمد عليها. وهذه التوجهات ستنعكس حتماً على طريقة التعامل في المنصة الإلكترونية وطريقة التدريس وحماس المعلم. ولهذا فمن المنطقي أن نقول بأن المعلم الجيد والمتحفز نحو توظيف التقنية ينعكس أثره على طلابه. وليس من المبالغة أن نقول كذلك أن المعلم الناجح في التعليم الحضوري سيظل ناجح بغض النظر على الظروف والوسائل المستخدمة. في الواقع تكمن إحدى مشاكل توجهات المعلمين السلبية في قلة خبرتهم في تفعيل المنصات الإلكترونية. نعم هناك جهود كبيرة في وزارات التعليم نحو تهيئة المعلمين لاسخدام التعليم الإلكتروني ولكن تبقى القضية قضية نفسية أولاً وانطباعات المعلم أمر حاسم في الموضوع. فقد نجد المعلم يمتلك المعرفة والكيفية حول توظيف المنصة الإلكترونية ولكنه يفتقد للحماس والدافعية السليمة. وإحدى أهم الاستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمها المعلم للتغلب على هذه المشكلة هو أن يبقى على تواصل مباشر وقريب من الطلاب عبر التعليم الإلكتروني، حيث أن ذلك سيشعره بالجو المشابه للقاعة الحضورية. وهذا بالفعل ماتشير إليه بعض الدراسات**.إذاً، يبدو لنا جلياً أن نجاح التعليم يبدأ من المعلم أولاً.

ماذا عن دافعية الطالب إذاً؟ يمكن أن نحدد عنصرين ضمن نطاق الطالب مسؤولين عن دافعيته. الأول متعلق بمعلم الطالب في المنصة الإلكترونية، وأما الثاني فمتعلق بالطالب نفسه. فأما الأول فقد ناقشناه للتو، ومن المؤسف أن نقول أن الطالب قد يكون ضحية لتوجهات معلمه وقناعاته السلبية حول التعليم الإلكتروني أو ضعف كفاءته في تظيف التقنية الرقمية. وأما العنصر الثاني فهو حول الطالب نفسه. إذ يجب عليه هو الآخر أن يتحلى بالإيجابية حول استخدام التقنية في التعلم والتعليم. وفي الواقع فإن التعليم الإلكتروني يضع عملية التعلم في ملعب الطالب بشكل كبير. فالطالب مسؤول عن تعلمه وتنفيذ المهام ويمتلك زمام الأمور في الوقت والمكان ضمن صلاحيات تفوق تلك المتوفرة في التعلم الحضوري. فهو يمتلك خيار الدخول للقاعة الإلكترونية عبر الجوال أو اللابتوب أو الايباد. هو يمتلك الانترنت بين يديه أثناء المحاضرة (إن كانت مباشرة) وأشياء كثيرة أخرى. ولهذ،ا فإن الانضباط الذاتي للطالب مطلوب وبشدة في هذا السياق، فتسجيل االحضور -على سبيل المثال- يمكن أن يتحايل عليه الطالب في التعلم الإلكتروني. وعلاوة على ذلك، فإن علاقة المعلم وقوة تفاعله مع طلابه أقل حظاً في التعليم الإلكتروني. ولهذا يجدر بنا أن نعيد القول بأن الطالب المهتم والمتفاعل في التعليم الحضوري سيظل مهتماً وإيجابياً فيا لتعليم الإلكتروني أو في أي ظرف آخر. وهناك نقطة يحب أن يدندن حولها بعض الطلبة تتعلق بتقديم التسهيلات من الإدارات على الطلاب. وهذا ربما قد أشعر بعض الطلاب بأنه قد حان الوقت ليستريحوا ويقللوا من اجتهادهم، لماذا؟ لأن المعلمين والإدارة التعليمية ستراعي الظروف وستخفف من توزيع الدرجات و غير ذلك. ولكن الحقيقة أن على الطالب أن يتذكر بأن هذا العلم بركة ونور ويجب أن يؤخذ بقوة (يا يحيى خذ الكتاب بقوة). إذاً، ينبغي على الطالب أن يضبط نفسه و وقته ويحدد برنامجه اليومي بشكل جيد يضمن معه استمرار التعلم والتفاعل الإيجابي.

ويتبقى معنا المحور الثالث وهي الوسيلة التي يتم من خلالها التعلم الإلكتروني. ولنصدقكم القول، إننا محظوظين أن تأتي علينا هذه الجائحة في ظل توفر الإمكانات والانترنت بشكل جيد. نعم هناك تفاوت في توفر الانترنت في بعض المناطق ولكن ليس بالدرجة التي تقف معها عملية التعلم. الكثير من الجامعات والمدارس هيأت منصات إلكترونية متعددة لإيصال المنهج التعليمي عن بعد، كما أنها تبنّت أنظمة معينة (مثل البلاكبورد Blackboard) لتكون خيارها الافتراضي ودربت كادرها للتعامل معها بما يليق. وأجد أن الوسيلة هي أقل المحاور تأثيراً في دافعية الطلاب وتحفيز التعلم، فهي جيدة ومتوفرة بشكل عام، وإنما يبقى فرس الرهان بين يدينا كمعلمين وطلاب في التوظيف الأمثل. ولكن، قد يكون التحول المفاجئ نحو تبنّي هذه التقنيات في عشية وضحاها قد أربك الاستخدام المطلوب لهذه المنصات، فقد كان الأمر لبعض المعلمين المرة الأولى في التعامل مع التعليم الإلكتروني، مايحتاج معه إلى وقت كافٍ للتدرب والممارسة قبل أن يبدأ بالفعل في تفعيل هذه المنصات. يبدو أن هذا التحول السريع قد أربك بعض المعلمين، ولكن المشاهَد أن سرعة التكيّف والتأقلم مع هذه المنصات أمر مشهود ومحمود من المعلمين، ونتطلع إلى أن يبدع المعلمين أكثر وأكثر في تحقيق نواتج التعلم المطلوبة من خلال هذه المنصات. ومن يدري فلعل هذه المنصات ستستمر في الوسط التعليمي حتى بعد أن تنتهي أزمة كورونا (بإذن الله) بعد أن تجد المؤسسات التعليمية جدوى هذه المنصات وتوفيرها للوقت والجهد. ولهذا فإنني دائماً ما أنصح زملائي المعلمين والإداريين بأن يستعدوا ويضعوا توقعاتهم للمستقبل التعليمي وتمكين التقنية على الوجه الأمثل وعدم انتظار الأزمات لتجبرنا على التحول المفاجئ.

*رابط الدراسة: https://doi.org/10.20428/AJQAHE
**رابط الدراسة: https://doi.org/10.1080/15313220.2019.1612313

3 أفكار عن “دافعية الطلاب أثناء التعلم عن بعد (دروس من جائحة كورونا)”

  1. السلام عليكم
    الرابط لا يعمل، الله يعطيكم العافية إذا ممكن مكان النشر عشان التوثيق
    وجزاكم الله خيرا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *